بسم الله الرحمن الرحيم
وأما الأدلة من السنة فكثيرة، منها:
1. عن أبي هريرة > قال: قال رسول الله ×: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها
»([1]). قال
النووي : (أما صفوف النساء؛ فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع
الرجال. وأما إذا صلين متميزات لا مع الرجال؛ فهن كالرجال خير صفوفهن
أولها وشرها آخرها.
والمراد بشرِّ الصفوف في الرجال أقلها ثواباً وفضلاً، وأبعدها من مطلب الشرع، وخيرها بعكسه).
ثم
قال : (وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبُعْدهن عن مخالطة
الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك.
وذم أول صفوفهن لعكس ذلك، والله أعلم)أ.هـ([2]).
وهذا
الحديث فيه بيان لفساد توهم قد يتوهمه بعض الناس، وهو أن الاختلاط إنما
يُنهى عنه إذا كان بالجلوس، وطول المكث في مكان واحد مع ما يصاحب ذلك من
كلام وأحاديث.([3])
فهذا
وإن كان منهياً عنه بلا شك؛ فإن مجرّد الاختلاط العارض الذي يقع في
الطريق؛ فإنه منهي عنه أيضاً، وهذا الحديث موافقٌ لحديث أبي هريرة -رضي
الله تعالى عنه-، قال: قال رسول الله ×: «ليس للنساء وسط الطريق»([4]).
ولعل ذلك ما دعا علي بن أبي طالب >
أن ينكر ما رآه مخالفاً لتلك النصوص من اختلاط النساء بالرجال، فقال: «أما
تغارون أن يخرج نساؤكم»، وفي رواية: «ألا تستحيون أو تغارون»؛ فإنه بلغني
أن نساؤكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج»([5]).
قال
ابن القيم : (وليُّ الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في
الأسواق، والفُرج ومجامع الرجال). وقال: (وقد منع أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب >
النساء من المشي في طريق الرجال، والاختلاط بهم في الطريق. فعلى ولي الأمر
أن يقتدي به في ذلك). إلى أن يقول: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن
بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه
من أسباب فساد أمور العامة والخاصة)([6]).
2. وعن ابن جريج : أخبرني عطاء إذ منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي ×
مع الرجال؟ قلت: أَبَعْدَ الحجاب أو قبل؟ قال: إي! لَعَمْري لقد أدركته
بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يَكُنَّ يخالطن، كانت عائشة
-رضي الله عنها- تطوف حَجْرة من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي
نستلم يا أم المؤمنين! قالت: انطلقي عنك، وأبت...)([7]).
3.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى
المسجد جعل باباً للنساء، وقال: «لو تركنا هذا الباب للنساء» قال نافع فلم
يدخل منه ابن عمر حتى مات.([8])، وروى نافع أن عمر -رضي الله عنه- كان ينهى أن يدخل من باب النساء.([9])
4. وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن يُطعن أحدكم بمِخيط من حديد خير من أن يمسّ امرأة لا تحل له »([10])،
(لأن
يطعن في رأس أحدكم بمخيط) بكسر الميم وفتح الياء وهو ما يخاط به كالإبرة
والمسلة ونحوها (من حديد) خصه لأنه أصلب من غيره وأشد بالطعن وأقوى في
الإيلام (خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) أي لا يحل له نكاحها. وإذا كان
هذا في مجرد المس . والله المستعان.قال
الشيخ الألباني: و في الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له ، ففيه
دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك، و قد بلي بها
كثير من المسلمين في هذا العصر.([11])
5.
وعن
أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إياكم والخلوة بالنساء
والذي نفسي بيده ما خلا رجل وامرأة إلا دخل الشيطان بينهما وليزحم رجل خنزيرا متلطخا بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له )([12])
وأما الخلوة بالمرأة الأجنبية جاءت الأدلة بتحريمها، ومنها:
1. قال ×: «لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان»([13]) ،
قال الإمام أبو بكر الكاساني
(فإن كان في البيت امرأة أجنبية أو ذات رحم محرم لا يحل للرجل أن يخلو بها لأن فيه خوف الفتنة والوقوع في الحرام )([14])
2. وعن ابن عباس { قال: قال رسول الله ×: «لا يخلون أحدكم بامرأة إلى مع ذي محرم»([15])
3.
وقال
النبي صلى الله عليه و سلم ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل
عليها رجل إلا ومعها محرم ) . فقال رجل يا رسول الله إني أريد أن أخرج في
جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج ؟ . فقال ( اخرج معها )([16])
4. وعن عتبة بن عامر > أن رسول الله × قال: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحموَ؟ قال: الحمو الموت»([17])
5.
وعن
أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده
ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: ( احتجبا منه ). فقلنا يا رسول الله: أليس هو أعمى لا يبصرنا
ولا يعرفنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفعمياوان أنتما ألستما
تبصرانه )([18])
وهذا الحديث فيه الدلالة على أن النساء تحتجب عن الرجال، وحتى عمن كان أعمى. ([1]) أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، رقم 664.
([2]) المنهاج شرح النووي على صحيح مسلم (4/210).
([3]) محمد بن شاكر الشريف. مجلة البيان عدد رقم ( 248 ).
([4]) أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (12/415)، وقال الألباني: حسن لشواهده «السلسلة الصحيحة» (2/511 رقم: 856).
([5])
أخرجه عبدالله ابن الإمام أحمد في «المسند» رقم: 1062، وقال الشيخ
أحمد بن محمد شاكر: إسناداه صحيحان. والعلوج: جمع علج، وهو الرجل
الكافر من العجم.
([6]) انظر: «الطرق الحكمية» (ص 237- 239).
([7]) أخرجه البخاري في «كتاب الحج» رقم: 1513، وعبدالرزاق في «المصنف» (5/66)، وفيه (حجزة) بدلاً من (حجرة).
([8]) «سنن أبي داود» (1/126) و«الأوسط» للطبراني (1/304).
([9]) «سنن أبي داود (1/126) وسنده صحيح.
([10]) أخرجه
الرُّوياني في مسنده (2/323 ) والطبراني في الكبير (20/ 212 )، قال
المنذري في الترغيب والترهيب:رواه الطبراني والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات
رجال الصحيح) ( 3 / 66 ) ، وقال الهيثميرواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح) (57)، قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر السلسلة الصحيحة ( 1 /447 /ح226 ) ثم قال الالباني: و
قد روي مرسلا من حديث عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي . قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يقرع الرجل قرعا يخلص إلى عظم رأسه خير
له من أن تضع امرأة يدها على رأسه لا تحل له ، و لأن يبرص الرجل برصا حتى
يخلص البرص إلى عظم ساعده خير له من أن تضع امرأة يدها على ساعده لا تحل له
" .أخرجه
أبو نعيم في " الطب " ( 2 / 33 - 34 ) عن هشيم عن داود بن عمرو أنبأ عبد
الله بن أبي زكريا الخزاعي . قلت " أي الألباني" : و هذا مع إرساله أو
إعضاله ، فإن هشيما كان مدلسا و قد عنعنه .
أنظر: فتوى اللجنة الدائمة 18999 . ([11]) أنظر: السلسلة الصحيحة ( 1 / 225 ).
([12]) أخرجه
الطبرانى (8/205 ) قال المنذرى (3/26) : غريب . وقال الهيثمى (4/326) :
فيه على بن يزيد الألهانى وهو ضعيف جدًّا وفيه توثيق . وضعفه الألباني في
السلسلة الضعيفة ( 13 / 142 ). ([13]) أخرجه الترمذي ( 3 / 474 )، والنسائي ( 5 / 387 )، واحمد ( 1 / 26 ). قال الألباني صحيح.
([14]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ( 10 / 500 ).
([15]) صحيح البخاري ( 5 / 2005 )، مسلم ( 4 / 104 )، البيهقي بالكبرى ( 5 / 226 ).
([16]) صحيح البخاري ( 2 / 658 ).
([17]) صحيح البخاري ( 5 / 2005 )، مسلم ( 7 / 7 )، الترمذي ( 3 / 474 )، مسند أحمد ( 4 / 149 )، البيهقي بالكبرى ( 7 / 90 )
([18]) رواه
الترمذي ( 5 / 103 ) وقال بعد إخراجه: (حديث حسن صحيح)، وقال ابن حجر:
(إسناده قوي). [الفتح 9/337] ، أبي داود ( 4 / 109 )، النسائي بالكبرى ( 5 /
393 )، أحمد ( 6 / 296 )، ابن حبان ( 12 / 389 ) قال شعيب الأرنؤوط ضعيف.